فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال سعيد بن جبير وأبو عبيدة: مؤمنًا وهي رواية أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس، الحسن: أمينًا وهي رواية العوفي عن ابن عباس ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريح: القرآن أمين على ما قبله من الكتب فيما أخبر أهل الكتاب في كتابهم بأمر فإن كان في القرآن فصدّقوا وإلاّ فكذبّوا، المبرد: أصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قيل: أرقت الماء وهرقت، ولمّا ينثر عن الرأس عند الدلك أبرية وهبرية ونهاة وهيهات. وأتاك وهياك فهو مبني آمن أمين كما بيطر ومبيطر من بيطار.
قال النابغة:
شكّ المبيطر إذ شفا من العضد

وقال الضحّاك: ماضيًا، عكرمة: دالًا عليه، ابن زيد مصدّقًا، الخليل: رقيبًا وحافظًا، يقال: هيمن فلان على كذا إذا شاهده وحفظه.
قلت: سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت المنصور بن محمد بن أحمد بن منصور البستي يقول: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي يقول: تقول العرب: الطائر إذا جعل يطير حول وَكرهِ وخاف على فرخه صيانة له، هيمن الطائر مهيمن. وكذلك يقول للطائر إذا أرخى جناحيه فألبسهما بيضه وفرخه مهيمن. وكذلك جعل اختباؤه ومنه قيل: اللّه تعالى المهيمن كان معناه الرقيب الرحيم. قال: ورأيت في بعض الكتب إنها بلغة العجمانية فعرّبت، وقرأ عكرمة: هيمن ومهيمن. بقولهم الملوك. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي عاليًا عليها ومرتفعًا.
وهذا يدل على تأويل من يقول بالتفضيل أي في كثرة الثواب، على ما تقدّمت إليه الإشارة في «الفاتحة» وهو اختيار ابن الحصّار في كتاب شرح السنة له.
وقد ذكرنا ما ذكره في كتابنا في شرح الأسماء الحسنى والحمد لله.
وقال قَتَادة: المهيمِن معناه الشاهد.
وقيل: الحافظ.
وقال الحسن: المصدّق؛ ومنه قول الشاعر:
إن الكتاب مُهيمِن لنبيّنا ** والحق يعرفه ذوو الألباب

وقال ابن عباس: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي مؤتمنًا عليه.
قال سعيد بن جُبَير: القرآن مؤتمَن على ما قبله من الكتب.
وعن ابن عباس والحسن أيضًا: المهيمن الأمين. اهـ.

.قال الفخر:

إنما كان القرآن مهيمنًا على الكتب لأنه الكتاب الذي لا يصير مسنوخًا ألبتة، ولا يتطرق إليه البتديل والتحريف على ما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [الحجر: 9] وإذا كان كذلك كانت شهادة القرآن على أن التوراة والإنجيل والزبور حق صدق باقية أبدًا، فكانت حقيقة هذه الكتب معلومة أبدًا. اهـ.
وقال الفخر:
{فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله} يعني فاحكم بين اليهود بالقرآن والوحي الذي نزله الله تعالى عليك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله} يوجِب الحكم؛ فقيل: هذا نسخ للتخيير في قوله: {فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وقيل: ليس هذا وجوبًا، والمعنى: فاحكم بينهم إن شئت؛ إذ لا يجب علينا الحكم بينهم إذا لم يكونوا من أهل الذّمة.
وفي أهل الذّمة تردّد وقد مضى الكلام فيه.
وقيل: أراد فاحكم بين الخلق؛ فهذا كان واجبًا عليه. اهـ.

.قال الفخر:

{وَلاَ تَتَّبِعِ} يريد ولا تنحرف، ولذلك عداه بعن، كأنه قيل: ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعًا أهواءهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} يعني لا تعمل بأهوائهم ومرادهم على ما جاءك من الحق؛ يعني لا تترك الحكم بما بيّن الله تعالى من القرآن من بيان الحق وبيان الأحكام.
والأهواء جمع هوًى؛ ولا يجمع أَهْوِية؛ وقد تقدّم في «البقرة».
فنهاه عن أن يتّبعهم فيما يريدونه؛ وهو يدل على بطلان قول من قال: تقوَّم الخمر على من أتلفها عليهم؛ لأنها ليست مالًا لهم فتكون مضمونة على مُتلفها؛ لأن إيجاب ضمانها على مُتلفها حكم بموجب أهواء اليهود؛ وقد أُمرنا بخلاف ذلك.
ومعنى {عَمَّا جَاءَكَ} على ما جاءك. اهـ.

.قال الفخر:

روي أن جماعة من اليهود قالوا: تعالوا نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه، ثم دخلوا عليه وقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وإنا إن اتبعناك اتبعك كل اليهود، وإن بيننا وبين خصومنا حكومة فنحاكمهم إليك، فاقض لنا ونحن نؤمن بك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. اهـ.
قال الفخر:
تمسك من طعن في عصمة الأنبياء بهذه الآية وقال: لولا جواز المعصية عليهم وإلا لما قال: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق}.
والجواب: أن ذلك مقدور له ولكن لا يفعله لمكان النهي.
وقيل: الخطاب له والمراد غيره. اهـ.
وقال الفخر:
لفظ «الشرعة»: في اشتقاقه وجهان: الأول: معنى شرع بين وأوضح.
قال ابن السكيت: لفظ الشرع مصدر: شرعت الإهاب، إذا شققته وسلخته.
الثاني: شرع مأخوذ من الشروع في الشيء وهو الدخول فيه، والشريعة في كلام العرب المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون منها، فالشريعة فعيلة بمعنى المعفولة، وهي الأشياء التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح، يقال: نهجب لك الطريق وأنهجب لغتان. اهـ.

.قال الثعلبي:

{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، أي سبيلًا وسنّة وجمع الشرعة الشرع وكل ما شرّعه فيه فهو شرعة وشريعة، ومنه شريعة الماء ومشرعته، ومنه شرائع الإسلام شروع أهلها فيها، ويقال: من شرع شرعًا إذا دخلوا في أمر وساروا به. والمنهاج والمنهج والنهج الطريق البين الواضح.
قال الراجز:
من يك في شك فهّلا ولج ** في طريق المهج

قال المفسّرون: عنى بذلك جميع أهل الملل المختلفة جعل اللّه لكل أهل ملّة شريعة ومنهاجًا، فلأهل التوراة شريعة، ولأهل الإنجيل شريعة، ولأهل القرآن شريعة، يحل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء، والدين واحد والشرائع مختلفة. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: لكل أهل ملة منكم، أيها الأمم جعلنا شِرعةً ومنهاجًا.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} ولو كان عنى بقوله: {لكل جعلنا منكم}، أمة محمد، وهم أمّة واحدةٌ، لم يكن لقوله: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة}، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة معنىً مفهوم. ولكن معنى ذلك، على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفَّي بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله، وأنزل عليه الإنجيل، وأمر من بَعثه إليه بالعمل بما فيه. ثم ذكر نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه أنزل إليه الكتابَ مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه، والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعةً غيرَ شرائع الأنبياء والأمم قبلَه الذين قصَّ عليهم قصصَهم، وإن كان دينه ودينهم- في توحيد الله، والإقرار بما جاءهم به من عنده، والانتهاء إلى أمره ونهيه- واحدًا، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكم واحد منهم ولأمته فيما أحلّ لهم وحرَّم عليهم. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أكثر العلماء بهذه الآية على أن شرع من قبلنا لا يلزمنا، لأن قوله: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} يدل على أنه يجب أن يكون كل رسول مستقلًا بشريعة خاصة، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر. اهـ.
قال الفخر:
وردت آيات دالة على عدم التباين في طريقة الأنبياء والرسل، وآيات دالة على حصول التباين فيها.
أما النوع الأول: فقوله: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى: 13] وقال: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90].
وأما النوع الثاني: فهو هذه الآية، وطريق الجمع أن نقول: النوع الأول من الآيات مصروف إلى ما يتعلق بأصول الدين، والنوع الثاني مصروف إلى ما يتعلق بفروع الدين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

فإن قيل: كيف نسق «المنهاج» على «الشرعة» وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن بينهما فرقًا من وجهين: أحدهما: أن «الشرعة» ابتداء الطريق، والمنهاج: الطريق المستمر، قاله المبرّد.
والثاني: أن «الشرعة» الطريق الذي ربما كان واضحًا، وربما كان غير واضح، والمنهاج: الطريق الذي لا يكون إِلا واضحًا، ذكره ابن الأنباري: فلما وقع الاختلاف بين الشرعة والمنهاج، حَسُنَ نسق أحدهما على الآخر.
والثاني: أن الشِّرعة والمنهاج بمعنى واحد، وإِنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين.
قال الحطيئة:
ألا حَبَّذّا هندٌ وأرضٌ بها هِندُ ** وهندٌ أتى من دُونها النَّأْي والبُعْدُ

فنسق البُعد على النأي لما خالفه في اللفظ، وإِن كان موافقًا له في المعنى، ذكره ابن الأنباري.
وأجاب عنه أربابُ القول الأول، فقالوا «النأي» كل ما قلّ بعده أو كثُر كأنه المفارقة، والبعد إِنما يُستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته. اهـ.

.قال الفخر:

{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} أي جماعة متفقة على شريعة واحدة، أو ذوي أمة واحدة، أي دين واحد لا اختلاف فيه.
قال الأصحاب: هذا يدل على أن الكل بمشيئة الله تعالى والمعتزلة حملوه على مشيئة الإلجاء. اهـ.
وقال الفخر:
{ولكن لّيَبْلُوَكُمْ فِيمَا ءاتاكم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من الشرائع المختلفة، هل تعملون بها منقادين لله خاضعين لتكاليف الله، أم تتبعون الشبه وتقصرون في العمل.
{فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي فابتدروها وسابقوا نحوها.
{إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات.
{فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم، وموفيكم ومقصركم في العمل، والمراد أن الأمر سيؤول إلى ما يزول معه الكشوك ويحصل مع اليقين، وذلك عند مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. اهـ.